شمال فلسطين المحتلة | المستوطنون بين كابوس تدمير المنازل ولعنة العجوز الشمطاء
إنها البشرى…عجوز شمطاء أميركية أخرى تصل إلى كيان العدو لتشجع “الإسرائيليين” على خوض الحرب مع لبنان بهدف “سحق” حزب الله.
يقول الجنوبيون في تراثهم الشعبي: “يللي جرّب المجرّب عقله مخرّب”، ومنذ سنين طويلة يعرفون أن مجيء “غراب البين” إلى إسرائيل (مصطلح عربي شائع يدلّ على الشؤم) هو مقدّمة لهزيمة اسرائيلية من العيار “الاستراتيجي”.
في العام 2000، شنّت أولى العواجيز الشمطاوات “مادلين أولبرايت” هجوماً دبلوماسياً على لبنان بهدف إخراج حزب الله من الجنوب ونشر الجيش اللبناني على طول الحدود، مع ضمانات لإسرائيل بعدم تعرض المستعمرات الشمالية لأي هجوم انطلاقاً من لبنان. “أولبرايت” هذه صاحبة المقولة الأشهر حول المجازر الأميركية في أفغانستان والعراق: “كان الأمر ثمناً يستحق دفعه”، لكن “إسرائيل” دفعت ثمن النهج الصلف هذا إنسحاباً مذلّاً من لبنان دون قيدٍ أو شرط، وضعت فيه مستقبل المستعمرات الشمالية تحت إرادة حزب الله حتى يومنا هذا.
باختصار، وفي العام 2006، عجوز شمطاء أميركية أخرى، إسمها كونداليزا رايس وزيرة خارجية إدارة بوش الإبن، جاءت أيضاً إلى كيان الإحتلال. أطلقت من تل أبيب عبارتها الشهيرة في حرب تموز/يوليو من ذلك العام: “إنه مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد”. بعد نحو شهر على هذا التصريح، انهزمت “إسرائيل” هزيمةً نكراء عبّرت عنها لجنة فينوغراد بالقول: “فَشِلَ جيش الدفاع الإسرائيلي، وخاصة بسبب سلوك القيادة العليا والقوات البرية، في تقديم ردٍ عسكريٍ فعال بحجم التحدي الذي فرضته عليه الحرب في لبنان”. ومنذ ذاك الحين، بدأت المستعمرات الشمالية تعيد النظر في قدرة “الجيش الإسرائيلي” على الدفاع عنها.
اليوم، وفي ذروة الإحباط والإرباك والغضب لدى السكان الصهاينة النازحين من مستعمرات الشمال، تصل “غراب البين” الثالثة “نيكي هالي” المرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية الأمريكية عن الحزب الجمهوري. “هالي” التي لا صفة رسمية لها حالياً في الإدارة الأميركية، أحبّت أن تشجع “إسرائيل” على خوض الحرب ضد حزب الله في جنوب لبنان على طريقتها الخاصة: تحمّلت مشقة السفر من تل أبيب إلى أحد المواقع العسكرية الإسرائيلية شمال فلسطين المحتلة (على بعد 20 كيلومتراً من الحدود مع لبنان)، برفقة عضو الكنيست داني دانون، لتكتب على أحد الصواريخ الثقيلة في الموقع: “إقضوا عليهم…أميركا دائماً تحب إسرائيل”.
قد تكون هالي، تعلم أو لا تعلم، بأن مجاهدي المقاومة الإسلامية في نفس يوم مسرحيتها الهزلية هذه، كانوا يقتربون إلى مسافة عشرات الأمتار فقط من موقع رامية الحدودي، قرب مستعمرتي شتولا وزرعيت، وتنفذ عملية رماية نارية كثيفة على تحصينات الموقع. العملية علّق عليها موقع “حدشوت بزمان” الإسرائيلي بالقول: “إن كل ما تبقى لحزب الله هو عبور الحدود، وغرس العلم في الموقع، والعودة إلى لبنان مع صورة النصر”.
هذا الشريط الذي أصدره الإعلام الحربي بتاريخ 28 أيار/مايو 2024، في نفس يوم زيارة “هالي” إلى شمال فلسطين المحتلة، وإن عكس الحالة المعنوية العالية لرجال حزب الله عند الحدود، إلا أنه بحسابات الصهاينة، خصوصاً سكان المستعمرات، الذي منهم من نزح إلى الداخل ومنهم من ينتظر، ليس مفصولاً عن مشاهد استخدام القدرات المختلفة للمقاومة الإسلامية في استهداف المواقع العسكرية لجيشهم وكذلك منازلهم في المستعمرات.
صواريخ موجّهة، صواريخ بركان، صواريخ ألماس، مسيّرات انقضاضية، غارات جويّة، صواريخ فلق، كلّها وسائط نارية تسبّبت بتشكيل حزام أمني مساحته 2000 كلم2 في شمال فلسطين المحتلة، وبانهيار الثقة الإسرائيلية نهائياً بقدرة جيشهم على حمايتهم.
مشهدٌ سوداوي قاتم، دفع برؤساء المستوطنات الشمالية إلى الإعلان عن قطع تواصلها نهائياً مع المؤسسات الرسمية للحكومة الإسرائيلية، وكذلك مع الجيش الذي وصفوه بأنه تحوّل إلى جمعية لمسح الأضرار، بل – وهنا المفاجأة – طلبوا منه عبر الإعلام عدم استخدام منازلهم لاختباء جنوده، لأن هذا الأمر يسبب استهدافها من قبل رجال حزب الله.
تعليقاً على هذا التقرير المصّور، إستنتج الباحث السياسي د. مصطفى اللداوي خلال مشاركته في التغطية الخاصة على شاشة قناة المنار، بأنه حين يطلب هؤلاء المستوطنون إيجاد تسويةٍ سياسيةٍ مع لبنان لضمان عودتهم إلى منازلهن، فهذا يعني أن ثقتهم بقدر جيشهم على حمايتهم قد انتهت.
إذاً، العبرةُ ليست في من يكتب على الصاروخ، بل في من يملك القدرة على استخدامه ضمن مسارٍ واضح.
يقول الفيلسوف الصيني سون تزو، مؤلف كتاب فن الحرب في القرن الخامس قبل الميلاد، إن “الجيش الذي ينتصر هو الذي يتأكد من النصر، ثم يسعى إلى المعركة”، وهذا بالتأكيد لا ينطبق أبداً على جيش الاحتلال منذ ما يناهز الثمانية أشهر من إعلانه بدء الاستعداد لتوجيه ضربة إلى جنوب لبنان.
يمكن لـ”نيكي هالي” قبل مغادرتها كيان العدو، أن تسأل داني دانون عن هوية الفتيات الإسرائيليات اللاتي فعلن نفس فعلتها في العام 2006، لتستطلع حالتهم المعنوية الآن. حينها كانت أعمارهن لا تزال في العاشرة تقريباً. ستجدهنّ الآن – إذا رغبت طبعاً – في عمر الثامنة والعشرين تقريباً، ليخبرنها عن “لعنة الكتابة على الصواريخ” عند الحدود مع لبنان.
لا داعي للتحسس، ولكن على هالي حتى وإن كانت عجوزاً شمطاء، إلا أن استماعها لتجربة من هم أصغر منها في كيان العدو ستغني رحلتها إلى “إسرائيل”. ربما غداً حين تكتب مذكراتها، كما فعلت سالفاتها، تقول: إن حكمة “أكبر منك بيوم أعلم منك بدهر” تنطبق في كل مكان، إلا عند الحدود مع لبنان.